فصل: ضياع الزكاة بعد عزلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.المال المستفاد:

من استفاد مالا، مما يعتبر فيه الحول - ولا مال له سواه - وبلغ نصابا، أو كان له مال من جنسه ولا يبلغ نصابا، فبلغ بالمستفاد نصابا، انعقد عليه حول الزكاة من حينئذ.
فإذا تم حول وجبت الزكاة فيه.
وإن كان عنده نصاب لم يخل المستفاد من ثلاثة أقسام.
1- أن يكون المال المستفاد من نمائه، كربح التجارة، ونتاج الحيوان، وهذا يتبع الاصل في حوله، وزكاته.
فمن كان عنده من عروض التجارة، أو الحيوان، ما يبلغ نصابا،
فربحت العروض، وتوالد الحيوان أثناء الحول، وجب إخراج الزكاة عن الجميع: الاصل، والمستفاد.
وهذا لا خلاف فيه.
2- أن يكون المستفاد من جنس النصاب، ولم يكن متفرعا عنه أو متولدا منه - بأن استفاده بشراء أو هبة أو ميراث - فقال أبو حنيفة يضم المستفاد إلى النصاب، ويكون تابعا له في الحول، والزكاة، وتزكى الفائدة مع الاصل.
وقال الشافعي وأحمد: يتبع المستفاد الاصل في النصاب، ويستقبل به حول جديد، سواء كان الاصل نقدا، أم حيوانا.
مثل أن يكون عنده مائتا درهم، ثم استفاد في أثناء الحول أخرى فإنه يزكي كلا منهما، عند تمام حوله.
ورأي مالك مثل رأي أبي حنيفة، في الحيوان، ومثل رأي الشافعي وأحمد في النقدين.
3- أن يكون المستفاد من غير جنس ما عنده.
فهذا لا يضم إلى ما عنده في حول، ولا نصاب، بل إن كان نصابا استقل به حولا، وزكاه آخر الحول، وإلا فلا شيء فيه، وهذا قول جمهور العلماء.

وجوب الزكاة في الذمة لا في عين المال مذهب الأحناف، ومالك، ورواية عن الشافعي وأحمد: أن الزكاة واجبة في عين المال.
والقول الثاني للشافعي، وأحمد: أنها واجبة في ذمة صاحب المال لا في عين المال.
وفائدة الخلاف تظهر، فيمن ملك مائتي درهم مثلا، ومضى عليها حولان دون أن تزكى.
فمن قال: إن الزكاة واجبة في العين، قال: إنها تزكى لعام واحد فقط، لأنها بعد العام الأول، تكون قد نقصت عن النصاب قدر الواجب فيها، وهو خمسة دراهم.
ومن قال: إنها واجبة في الذمة، قال إنها تزكى زكاتين، لكل حول زكاة، لأن الزكاة وجبت في الذمة، فلم تؤثر في نقص النصاب.
ورجح ابن حزم وجوبها في الذمة، فقال: لا خلاف بين أحد من الأمة - من زمننا إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم - في أن من وجبت عليه زكاة بر، أو شعير، أو تمر، أو ذهب، أو إبل، أو بقر، أو غنم، فأعطى زكاته الواجبة عليه، من غير ذلك الزرع، ومن غير ذلك التمر، ومن غير ذلك الذهب، ومن غير تلك الفضة، ومن غير تلك الإبل، ومن غير تلك البقر، ومن غير تلك الغنم، فإنه لا يمنع ذلك، ولا يكره ذلك له، بل سواء أعطى من تلك العين، أو مما عنده من غيرها، أو مما يشترى، أو مما يوهب، أو مما يستقرض.
فصح يقينا: أن الزكاة في الذمة، لا في العين، إذ لو كانت في العين، لم يحل له ألبتة، أن يعطي من غيرها، ولوجب منعه من ذلك كما يمنع من له شريك في شيء من كل ذلك أن يعطي شريكه، من غير العين، التي هم فيها شركاء، إلا بتراضيهما، وعلى حكم البيع.
وأيضا فلو كانت الزكاة في عين المال، لكانت لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما.
وذلك إما أن تكون الزكاة في كل جزء من أجزاء ذلك المال، أو تكون في شيء منه بغير عينه.
فلو كانت في كل جزء منه لحرم عليه أن يبيع منه رأسا، أو حبة فما فوقها، لأن أهل الصدقات في ذلك الجزء شركاء ولحرم عليه أن يأكل منها شيئا لما ذكرناه، وهذا باطل بلا خلاف، وللزمه أيضا أن لا يخرج الشاة إلا بقيمة مصححة مما بقي، كما يفعل في الشركات ولا بد.
وإن كانت الزكاة في شيء منه بغير عينه فهذا باطل.
وكان يلزم أيضا مثل ذلك، سواء سواء.
لأنه كان لا يدري، لعله يبيع أو يأكل الذي هو حق أهل الصدقة؟ فصح ما قلنا يقينا.
هلاك المال بعد وجوب الزكاة وقبل الأداء:
إذا استقر وجوب الزكاة في المال، بأن حال عليه الحول، أو حان حصاده، وتلف المال قبل أداء زكاته، أو تلف بعضه، فالزكاة كلها واجبة في ذمة صاحب المال سواء كان التلف بتفريط منه، أو بغير تفريط.
وهذا معنى، على أن الزكاة واجبة في الذمة، وهو رأي ابن حزم، ومشهور مذهب أحمد.
ويرى أبو حنيفة: أنه إذا تلف المال كله، بدون تعد من صاحبه، سقطت الزكاة، وإن هلك بعضه، سقطت حصيته، بناء على تعلق الزكاة بعين المال، أما إذا هلك بسبب تعد منه، فإن الزكاة لا تسقط.
وقال الشافعي والحسن بن صالح، وإسحق، وأبو ثور، وابن المنذر: إن تلف النصاب قبل التمكن من الاداء سقطت الزكاة، وإن تلف بعده لم تسقط.
ورجح ابن قدامة هذا الرأي فقال: والصحيح - إن شاء الله - أن الزكاة تسقط بتلف المال، إذا لم يفرط في الاداء، لأنها تجب على سبيل المواساة، فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال، وفقر من تجب عليه ومعنى التفريط، أن يتمكن من إخراجها فلا يخرجها، وإن لم يتمكن من إخراجها، فليس بمفرط، سواء كان ذلك لعدم المستحق، أو لبعد المال عنه، أو لكون الفرض لا يوجد في المال، ويحتاج إلى شرائه فلم يجد ما يشتريه أو كان في طلب الشراء، أو نحو ذلك.
وإن قلنا بوجوبها بعد تلف المال فأمكن المالك أداؤها أداها، وإلا أنظر بها إلى ميسرته، وتمكنه من أدائها، من غير مضرة عليه، لأنه لزم إنظاره بدين الادمي، فبالزكاة التي هي حق الله تعالى، أولى.

.ضياع الزكاة بعد عزلها:

لو عزل الزكاة ليدفعها إلى مستحقيها، فضاعت كلها، أو بعضها، فعليه إعادتها، لأنها في ذمته حتى يوصلها إلى من أمره الله بإيصالها إليه.
قال ابن حزم: وروينا من طريق ابن أبي شيبة، عن حفص بن غياث، وجرير، والمعتمر بن سليمان التيمي، وزيد بن الحباب، وعبد الوهاب بن عطاء.
قال حفص: عن هشام بن حسان، عن الحسن البصري.
وقال جرير: عن المغيرة عن أصحابه.
وقال المعتمر: عن معمر عن حماد، وقال زيد: عن شعبة عن الحكم.
وقال عبد الوهاب: عن ابن أبي عروبة، عن حماد عن إبراهيم النخعي.
ثم اتفقوا كلهم فيمن أخرج زكاة ماله، فضاعت: أنها لا تجزئ عنه.
وعليه إخراجها ثانية.
قال: وروينا عن عطاء: أنها تجزئ عنه.

.تأخير الزكاة لا يسقطها:

من مضى عليه سنون، ولم يرد ما عليه من زكاة، لزمه إخراج الزكاة عن جميعها، سواء علم وجوب الزكاة، أم لم يعلم، وسواء كان في دار الإسلام أو في دار الحرب.
وقال ابن المنذر: لو غلب أهل البغي على بلد، ولم يؤد أهل ذلك البلد الزكاة أعواما، ثم ظفر بهم الإمام، أخذ منهم زكاة الماضي، في قول مالك، والشافعي، وأبي ثور.

.دفع القيمة بدل العين:

لا يجوز دفع القيمة بدل العين المنصوص عليها في الزكوات إلا عند عدمها، وعدم الجنس.
وذلك لأن الزكاة عبادة، ولا يصح أداء العبادة إلا على الجهة المأمور بها شرعا، وليشارك الفقراء الاغنياء في أعيان الأموال.
وفي حديث معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن، فقال: «خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر». رواه أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي، والحاكم. وفيه انقطاع، فإن عطاء لم يسمع معاذا.
قال الشوكاني: «الحق أن الزكاة واجبة من العين، لا يعدل عنها إلى القيمة إلا لعذر».
وجوز أبو حنيفة إخراج القيمة، سواء قدر على العين أم لم يقدر، فإن الزكاة حق الفقير، ولا فرق بين القيمة والعين عنده.
وقد روى البخاري - معلقا بصيغة الجزم - أن معاذا قال لأهل اليمن: ايتوني بعرض ثياب خميص. أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهون عليكم. وخير لاصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.

.الزكاة في المال المشترك:

إذا كان المال مشتركا بين شريكين، أو أكثر، لا تجب الزكاة على واحد منهم، حتى يكون لكل واحد منهم نصاب كامل، في قول أكثر أهل العلم.
هذا في غير الخلطة في الحيوان التي تقدم الكلام عليها والخلاف فيها.

.الفرار من الزكاة:

ذهب مالك، وأحمد، والاوزاعي، وإسحاق، وأبو عبيد إلى أن من ملك نصابا، من أي نوع من أنواع المالك، فباعه قبل الحول، أو وهبه، أو أتلف جزءا منه، بقصد الفرار من الزكاة لم تسقط الزكاة عنه، وتؤخذ منه في آخر الحول إذا كان تصرفه هذا، عند أقرب الوجوب، ولو فعل ذلك في أول الحول لم تجب الزكاة، لأن ذلك ليس بمظنة للفرار.
وقال أبو حنيفة والشافعي: تسقط عنه الزكاة، لأنه نقص قبل تمام الحول، ويكون مسيئا وعاصيا لله، بهروبه منها.
استدل الأولون بقول الله تعالى: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم} فعاقبهم الله بذلك، لفرارهم من الصدقة.
ولأنه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم يسقط، كما لو طلق امرأته، في مرض موته.
ولأنه لما قصد قصدا فاسدا، اقتضت الحكمة معاقبته بنقيض مقصوده، كمن قتل مورثه، لاستعجال ميراثه، عاقبه الشارع بالحرمان.

.مصارف الزكاة:

مصارف الزكاة ثمانية أصناف، حصرها الله في قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}.
وعن زياد بن الحارث الصدائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته، فأتى رجل فقال: أعطني من الصدقة فقال: «إن الله لم يرض بحكم نبي، ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الاجزاء أعطيتك» رواه أبو داود.
وفيه عبد الرحمن الافريقي متكلم فيه.
وهذا هو بيان الاصناف الثمانية المذكورة في الآية:

.1 و2- الفقراء والمساكين:

وهم المحتاجون الذين لا يجدون كفايتهم، ويقابلهم الاغنياء المكفيون ما يحتاجون إليه.
وتقدم أن القدر الذي يصير به الإنسان غنيا، هو قدر النصاب الزائد عن الحاجة الاصلية، له ولاولاده، من أكل وشرب، وملبس، ومسكن، ودابة، وآلة حرفة، ونحو ذلك، مما لا غنى عنه. فكل من عدم هذا القدر، فهو فقير، يستحق الزكاة.
ففي حديث معاذ: «تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم».
فالذي تؤخذ منه، هو الغني المالك للنصاب.
والذي ترد إليه هو المقابل له وهو الفقير الذي لا يملك القدر الذي يملكه الغني.
وليس هناك فرق بين الفقراء، وبين والمساكين، من حيث الحاجة والفاقة ومن حيث استحقاقهم الزكاة، والجمع بين الفقراء والمساكين في الآية، مع العطف المقتضي للتغاير، لا يناقض ما قلناه، فإن المساكين - وهم قسم من الفقراء - لهم وصف خاص بهم، وهذا كاف في المغايرة.
فقد جاء في الحديث، ما يدل على أن المساكين هم الفقراء الذين يتعففون عن السؤال، ولا يتفطن لهم الناس فذكرتهم الآية، لأنه ربما لا يفطن إليهم، لتجملهم.
فعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف، اقرءوا إن شئتم: {لا يسألون الناس إلحافا}» وفي لفظ: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غني يغنيه، ولا يفطن له، فيصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس» رواه البخاري، ومسلم.
مقدار ما يعطى الفقير من الزكاة: من مقاصد الزكاة كفاية الفقير وسد حاجته، فيعطى من الصدقة، القدر الذي يخرجه من الفقر إلى الغني، ومن الحاجة إلى الكفاية، على الدوام، وذلك يختلف باختلاف الاحوال والاشخاص.
قال عمر رضي الله عنه: إذا أعطيتم فأغنوا. يعني في الصدقة.
وقال القاضي عبد الوهاب: لم يحد مالك لذلك حدا، فإنه قال: يعطي من له المسكن، والخادم، والدابة الذي لا غنى له عنه.
وقد جاء في الحديث ما يدل على أن المسألة تحل للفقير حتى يأخذ ما يقوم بعيشه، ويستغني به مدى الحياة.
فعن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة، فتأمر لك بها»، ثم قال: «يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لاحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها تم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش» أو قال: «سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى قول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة، حتى يصيب قواما من عيش» أو قال: «سدادا من عيش فما سواهن من المسألة - يا قبيصة - فسحت، يأكلها صاحبها سحتا» رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.